كلمة السيد عميد كلية العلوم الاسلامية أ.م.د طلال فائق الكمالي في حفل تخرج الدفعة الرابعة 2024-2025
بسم الله الرحمن الرحيم
السادةُ أعضاءُ الهيئةِ التدريسيةِ لكليةِ العلومِ الإسلاميةِ... أحبتي الطلبةُ... السادةُ الضيوفُ، مع حفظِ الألقابِ والمقاماتِ...
أحييكم بتحيةٍ مباركةٍ طيبةٍ، ملؤُها المحبةُ والتقديرُ، مكللةً بشعارِ الإسلامِ، وأقولُ: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ...
أعتذرُ ابتداءً من السادةِ التدريسيينَ والإداريينَ، فضلًا عن الضيوفِ، فقد اعتدتُ أن يكونَ خطابي في حفلِ التخرجِ كلماتٍ أُوجِّهُها إلى أحبتي الطلبةِ.
لذا أقولُ: أعزائي، وقرةَ عيني:
في كلِّ مرةٍ، وتزامناً مع حفلِ التخرجِ، وحينَ أسعى لأخطَّ كلماتي على ورقةِ الخطابِ، يعتصرني قلبي، ويضيقُ صدري ألماً وحسرةً تارةً، وفرحاً وسروراً تارةً أخرى، إذ أجدُ نفسي بين تضادٍّ جليٍّ لا أقوى على فهمهِ أو التمييزِ في معرفةِ كنههِ وماهيتهِ...
أهو فرحٌ وسرورٌ وأنا أتوجُ دفعةً من أبنائنا الطلبةِ، أم ألمٌ وحسرةٌ وأنا أُفارقُ كوكبةً منهم، تقاسمنا معهم على مائدةِ العلمِ والمعرفةِ ملحَ العيشِ، ورغيفَ الدرسِ، وذائقةَ القيمِ، وحلاوةَ التواصلِ؟
في قبالِ ذلكَ، ينتابني القلقُ في أمرٍ آخرَ قد لا أقوى على الإجابةِ عليه، ولعلّكم أنتم، دون غيرِكم، مَن يستطيعُ الإجابةَ عليه...
الأمرُ مفادُه:
هل وُفِّقنا نحنُ في العمادةِ في خدمتِكم؟ هل وُفِّقنا في إعدادِكم سفراءَ لشريعةِ الإسلامِ والقرآنِ الكريمِ؟ هل تمكنّا أن ننقشَ على قلوبِكم آياتِهِ، وفي عقولِكم دلالاتِهِ، وفي صدورِكم رسالتَهُ؟ هل وُفِّقنا أن نأخذَ بأيديكم إلى نورِ هُداهُ وتعاليمِهِ، وأن نروّضَ أنفسَنا وأنفسَكم على ترجمةِ إرشاداتِهِ؟
نعم، أنا ومن معي من الإخوةِ التدريسيينَ، فرحونَ بهذا الحفلِ البهيِّ، الذي ارتسمت على وجوهِكم الوضاءةِ معاني البهجةِ، والفرحِ، والسرورِ، فرحونَ بإنجازاتِكم وتحديكم في خوضِ معتركِ الدرسِ، فرحونَ بكم، على الرغمِ من الظروفِ التي تُحيطُ ببعضِكم، والتي قهرتموها ولم تقهركم.
بيدَّ أننا في الوقتِ نفسهِ قلقون...
هل كنا أهلًا في إعدادِكم رُسُلًا ودُعاةً لرسالةِ السماءِ؟ هل فعلًا استطعنا صناعةَ إنسانٍ يقوى على تحمُّلِ تلكَ الرسالةِ؟ وهل وُفِّقنا في صياغةِ بعضٍ من سلوكِهِ بما ينطبقُ ومضامينَ الرسالةِ وأهدافِها وغاياتِها؟
على أساسِ ذلكَ، كان التضادُّ ينتابني وأنا أُخطُّ كلماتي.
قرةَ عيني، أيها الطلبةُ الأحبةُ، أقولُ أيضًا:
نحنُ وأنتم أمامَ تحدٍّ واضحٍ بين أن نكونَ أو لا نكونَ، أمامَ تحدٍّ لصراعاتٍ فكريةٍ داخليةٍ، وإقليميةٍ، ودُوليةٍ، وضبابٍ يحجبُ رؤيةَ المستقبلِ، وتيهٍ لمسالكِ طريقٍ رُسمت لنا خارطتُه، وتصحرٍ لقلوبٍ بدلًا من أن تنبضَ بالحبِّ بات أحدُنا يترصّدُ للآخرِ، وسُباتٍ لعقولٍ بدلًا من أن تتوقدَ لمعرفةِ الحقِّ والحقيقةِ، رَسَت على شاطئِ الخمولِ والكسلِ، ونفوسٍ انزاحت من بحبوحةِ المعنى والروحِ إلى وادي المادةِ.
كلُّ ذلكَ تحدٍّ قد طرقَ بابَ منازلِ بعضِ الشبابِ، وقد طرقَ بعضَ منازلِنا وأروقةَ مسالكِنا، مما باتَ الخطرُ يحومُ حولَنا، ويمزقُنا من الداخلِ، ويُشتتُنا من الخارجِ، ويعبثُ بنا، لدرجةِ أن يكونَ الواحدُ منا منهزمًا قبل أن يُهزمَ، ويُمسخَ هويتُه قبل أن تُمسخَ، وينقادَ قبل أن يُقادَ.
في قبالِ هذا التحدي العنيفِ، وبحرِهِ اللُّجِّيِّ المظلمِ، وليلِهِ الأليلِ، أصبحَ تكليفُنا نحنُ حملةَ شهادةِ القرآنِ الكريمِ والشريعةِ المقدسةِ أعظمَ من قبلُ، وذلكَ لا يُمكنُ إحرازُه إلّا عبرَ إشعارِنا بالمسؤوليةِ المناطةِ بنا، وتحملِنا إياها عبرَ تبنّيها على نحوِ الجدِّ والاجتهادِ، والإخلاصِ في النيةِ والعملِ.
وهنا، أيُّها الأحبَّةُ، تبرزُ حقيقةٌ لا بُدَّ من التنبُّهِ إليها، وهي أنَّ ما نلناهُ من معارفَ وعلومٍ في هذا الصرحِ المباركِ، ما هو إلّا الجانبُ النظريُّ، الأساسُ الأوَّلُ للانطلاقِ، لكنَّ العبرةَ كلَّ العبرةِ في تحويلِ هذا العلمِ إلى سلوكٍ، وتلك المعرفةِ إلى ممارسةٍ.
فلابدَّ أن ننعطفَ بهذا الزادِ إلى الجانبِ التطبيقيِّ الإجرائيِّ، في المنزلِ والشارعِ والسوقِ، وفي ساحةِ الدرسِ والعملِ والموقفِ، بل في كلِّ تفاصيلِ الحياةِ.
ولعلَّ هذا الميدانَ، ميدانَ التطبيقِ الحقيقيِّ، هو الأشدُّ صعوبةً، والأعظمُ أجرًا، والأكبرُ نفعًا،
والأجملُ حظًّا؛ لأنهُ يضعُ الإنسانَ على محكِّ الصدقِ، ويكشفُ عن مدى اتِّساقِ سلوكِهِ مع إيمانهِ، فيكونُ عملُهُ شاهدًا على علمِهِ، وسلوكُهُ ترجمانًا لمعرفتِهِ، وأخلاقُهُ ثمرةً لما درسَهُ وآمَنَ به.
من هنا، كانت رسالةُ العمادةِ إلى أحبتِها الطلبةِ هذا العامَ، ما رُوي عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلامُ) في قولِهِ: "طوبى لِمَن أخلصَ للهِ عملَهُ، وعلمَهُ، وحبَّهُ، وبُغضَهُ، وأخذَهُ، وتركَهُ، وكلامَهُ، وصمتَهُ، وفعلَهُ، وقولَهُ."
فطوبى لنا بكم، وأنتم فرحونَ، متوَّجونَ بشهادةِ البكالوريوسِ في علمِ اللهِ تعالى، ورسالةِ القرآنِ الكريمِ، ومنظومتِهِ المعرفيةِ، ورؤيتِهِ الكونيةِ...
نعم، طوبى لنا بكم، وأنتم بعينِ اللهِ، وعيونِ مولانا الإمامِ الحسينِ (عليه السلامُ)، الذي بلغَ أشدَّكم تحتَ سقفِ صرحِهِ العلميِّ، والذي يأملُ منكم كلَّ جميلٍ وخيرٍ ومحبةٍ.
وطوبى لنا بكم، ما دمتم على عهدِ القرآنِ وسنةِ النبيِّ محمدٍ (صلى اللهُ عليه وآله وسلم)، وطوبى لنا بكم، حينَ نعملُ سويًّا في المنزلِ، والشارعِ، والصفِّ، والسوقِ، جاهدينَ، مجتهدينَ، في خدمةِ الدينِ، والإنسانِ، والوطنِ.
أقولُ قولي هذا، وكلّي أملٌ بكم، وفخرٌ بصنيعكم، وثقةٌ بمستقبلكم... والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته